خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حسن العشرة وحفظها ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حسن العشرة وحفظها ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 19 رجب 1444هـ ، الموافق 10 فبراير 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 فبراير 2023م بصيغة word بعنوان : حسن العشرة وحفظها ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 فبراير 2023م بصيغة pdf بعنوان : حسن العشرة وحفظها ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 10 فبراير 2023م بعنوان : حسن العشرة وحفظها.
أولًا: حسنُ العشرةِ دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ.
ثانيـــًا: صورٌ مِن حسنِ العشرةِ .
ثالثـــًا وأخيرًا: إياكَ و سوءَ العشرةِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 10 فبراير 2023م بعنوان : حسن العشرة وحفظها : كما يلي:
خطبةُ الجمعة القادمة: حسنُ العشرةِ وحفظُهَا د. محمد حرزبتاريخ: 19 من رجب 1444هــ –10 من فبراير2023م
الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف ﴾ النساء:19، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ,فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وأصحابهِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
وأَحسنُ مِنكَ لم ترَ قطُّ عيني ** وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبرأً مِنْ كلّ عيبٍ ** كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ
أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ )) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران :102.
عبادَ الله: ((حسنُ العشرةِ وحفظُهَا ))عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
عناصرُ اللقاءِ
أولًا: حسنُ العشرةِ دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ.
ثانيـــًا: صورٌ مِن حسنِ العشرةِ .
ثالثـــًا وأخيرًا: إياكَ و سوءَ العشرةِ.
أيُّها السادةُ بدايةً: ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن حسنِ العشرةِ وحفظِهَا، وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا ساءتْ فيهِ العشرةُ بينَ الرجلِ وزوجتهِ، وكثرَ الطلاقُ والقضايَا في المحاكمِ بصورةٍ مفزعةٍ مخفيةٍ، وساءتْ العشرةُ بينَ الولدِ وأبيه، والبنتِ وأمِّهَا والجارِ وجارهِ، والتلميذِ ومعلمهِ، وبينَ الأخِ وأخيهِ، وأصبحَ سوءُ العشرةِ أمرًا سهلًا وهيّنًا عندَ الكثيرِ مِن الناسِ وسمةً مِن سماتِ هذا العصرِ إلّا ما رحمَ اللهُ جلَّ وعلا. ولا حولَ ولا قوةَ إلّا بالله.
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حسن العشرة وحفظها
أولًا: حسنُ العشرةِ دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ.
أيُّها السادةُ:حسنُ العشرةِ جزءٌ مِن شريعةِ الإسلامِ، وعبادةٌ نتقرَّبُ بها إلى الرحمنِ، وحسنُ العشرةِ عبادةٌ يحبُّهَا اللهُ جلَّ وعلا، وحسنُ العشرةِ خلقٌ عظيمٌ مِن أخلاقِ الدينِ، ومبدأٌ كريمٌ مِن مبادئِ الإسلامِ، وشيمةٌ مِن شيمِ الأبرارِ المحسنين، وصفةٌ مِن صفاتِ المؤمنين الموحدين، حسنُ العشرةِ عبادةٌ جليلةٌ، وسهلةٌ وميسورةٌ، أمرنَا بها الدينُ، وتخلّقَ بهَا سيدُ المرسلين ﷺ، تدلُّ على سموِّ النفسِ، وعظمةِ القلبِ، وسلامةِ الصدرِ، ورجاحةِ العقلِ، ووعى الروحِ، ونبلِ الإنسانيةِ، وأصالةِ المعدنِ، وحسنُ العشرةِ عبادةٌ يحرصُ عليها دائمًا الأصفياءُ الأنقياءُ الأتقياءُ مِن أصحابِ الأرواحِ الطيبةِ والمشاعرِ الفياضةِ، وحسنُ العِشرة ِعلاقةٌ صادقةٌ، وحبٌّ مُتجرِّدٌ، ووئامٌ قلبيٌّ، وعطاءٌ بلا حدودٍ، وحسنُ العشرةِ هي معاملةُ الناسِ في كلِّ مكانٍ بالمعروفِ والإحسانِ إليهِم في كلِّ وقتٍ وحينٍ وعدم إيذاءِ الناسِ وهذا هو سيدُ الخلقِ وحبيبُ الحقِّ ﷺ كان أحسنَ الناسِ عشرةً، وكيف لا ؟ واللهُ خاطبَهُ بقولهِ ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ … ﴾ ال عمران 159، وكيف لا ؟ واللهُ جلَّ وعلا قالَ مُخاطبًا إياهُ { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)سورة القلم(4). وكيف لا ؟وهو الذي علّمَ الدنيا حسنَ العشرةِ وحسنَ الأدبِ والأخلاقِ، فلقد ضربَ النبيُّ ﷺ أروعَ نموذجٍ في المعاشرةِ الزوجيةِ، فكان بحقٍّ نِعمَ الزوجُ لزوجهِ، وخيرَ الناسِ لأهلهِ، وكيف لا ؟ وقد جعلَ ﷺ معيارَ خيريةِ الرجالِ في حُسنِ العشرةِ فقالَ ﷺ كما في حديثٍ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالتْ: قالَ رَسولُ اللهِ ﷺ ))خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)رواه الترمذي وابن ماجه، فكان ﷺ جميلَ العشرةِ معهُن، دائمَ البِشْرِ، يداعبُهُن ويتلطفُ بهِن، ويعاملُهُن بكلِّ سُموٍّ خُلقي مِن محبةٍ وعدلٍ ورحمةٍ ووفاءٍ، وغيرِ ذلك مِمّا تقتضيهِ الحياةُ الزوجيةُ في جميعِ أحوالِهَا، حتى أنَّه كان يسابقُ عائشةَ أمَّ المؤمنين -رضي اللهُ عنها – في البريةِ في بعضِ سفراتهِ يتوددُ إليهَا بذلك، فقالت: سابَقنِي النَّبيُّ ﷺ فسبَقْتُه فلبِثْنا حتَّى إذا أرهَقنِي اللَّحمُ أي سمنت سابَقنِي فسبَقنِي فقال النَّبيُّ ﷺ: (هذه بتلك (يشيرُ إلى المرةِ الأولَى وكيف لا ؟ولقد سُئلتْ عائشةُ -رضي اللهُ عنها-: «مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَيْهَا (( رواه البخاري أي كان ﷺ يقومُ بخدمةِ نفسهِ تخفيفًا على زوجتهِ لئلَّا يشقّ عليها.
قالتْ السيدةُ عائشةُ -رضي اللهُ عنها ((كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ))فلقد عاملَ النبيُّ ﷺ نساءَهُ معاملةً كريمةً، قائمةً على حسنِ العشرةِ، ومكارمِ الأخلاقِ، ورفعةِ السلوكِ.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حسن العشرة وحفظها
ثانيـــًا: صورٌ مِن حسنِ العشرةِ .
أيُّها السادةُ:حسنُ العشرةِ ليس مقتصرًا على الزوجِ وزوجتهِ فحسب كما يعتقدُ الكثيرُ مِن الناسِ، بل حسنُ العشرةِ يكونُ بينَ أفرادِ المجتمعِ كلِّهِ، وأولَى الناس بحُسنِ العِشرةِ: الأبوان، فهما سببُ وجودِ العبدِ، فحقُّهُمَا مُؤكَّدٌ، وبِرُّهُمَا مُقدَّمٌ، وحُسنُ عِشرةِ الوالِدَينِ ببرِّهِمَا والإحسانِ إليهِمَا، وخِدمتِهَا بالنفسِ والمالِ، قالَ جلَّ وعلَا ))صاحِبْهُما في الدُّنْيا معروفًا ((وقال جلَّ وعلا(( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا )) سورة الإسراء ،وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ{ رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ}، وحسنُ العشرةِ بالوالدينِ بالدعاءِ لهُمَا أحياءً وأمواتًا، وإكرامِ صديقِهِمَا، قال رسولُ الله ﷺ )) إن أبرَّ البرِّ صِلةُ الولد أهلَ وُدِّ أبيه((، وأحقُّ الناسِ بحُسنِ العِشرةِ بعدَ الأبوينِ: الزوجةُ ففي صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ أنَّ النبيَّ قالَ في خطبةِ الوداعِ (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ)وفي الصحيحين مِن حديثِ أبي هريرةِ رضي اللهُ عنه أنَّ النبيَّ ﷺ قال: ((اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا)وفى الحديث الذي رواه أحمدُ والترمذيُّ، وأبو داود وغيرُهُم مِن حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه أنَّ النبيَّ ﷺ قال (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا))، وحُسنُ العِشرةِ للزوجةِ بطِيبِ القولِ، وحُسنِ الفعلِ، والتلطُّفِ معها، وتوسيعِ النفقةِ، ودوامِ البِشرِ، ولِينِ الجانِبِ، وتلبيةِ الرَّغَباتِ النفسيةِ والعاطفيَّةِ، وإدخالِ السُّرورِ، قالَ اللهُ تعالى ))وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ((النساء: 19،
وحُسنُ عِشرةِ الزوجِ باللُّطفِ واللِّينِ، والصبرِ على ما قد يبدُرُ منه، وإكرامِ أولادهِ وتربيتِهِم، وذِكرِ ذلك الزوجِ بخيرٍ، والثناءِ عليه، وحِفظِ حقِّ أمِّهِ ورعايتِهَا، وعدمِ كُفرانِ العشيرِ لذا قال النبيُّ ﷺ (( يا معشرَ النساءِ تصدقْن فإنكنَّ أكثرُ أهلِ النارِ فقالت امرأةٌ : وما لنا أكثرُ أهلِ النارِ قال : لأنكنَّ تكثرْن اللعنَ وتكفرْن العشيرَ))أي الزوج رواه البخاري، لذا قالَ النبيُّ ﷺ (( لا تُؤذي امرأةٌ زوجَها في الدنيا إلّا قالتْ زوجتُهُ مِن الحورِ العينِ لا تؤذيهِ قَاتَلَكِ اللهُ فإنّمَا هو عندكِ دخيلٌ يوشكُ أنْ يُفَارِقَكِ إلينَا ((، وحُسنُ العِشرةِ بصلةِ الرحمِ بينَ الإخوةِ والأخَواتِ، بأداءِ الإحسانِ ببعضِهِم على بعضٍ، والأدبِ في القولِ والمُعاملَة، الصغيرُ يحترِمُ الكبيرَ، والكبيرُ يرحمُ الصغيرَ، حتى تسُودَ المحبَّةُ، وتزدادَ المودَّةُ، وتستقرَّ الأُلفَةُ، وتُظلِّلَهُم السعادةُ، قال رسولُ اللهِ ﷺ ))يدُ المُعطِي العُليا، وابدَأ بمن تعُول: أمَّك، وأباك، وأُختَك، وأخاكَ، ثم أدناكَ أدناكَ)). وحُسنُ العِشرةِ مع الأرحامِ والأقرِباءِ، بقضاءِ حوائجِهِم، والقيامِ بشُؤونِهِم، وتفقُّدِ أمورِهِم، وكثرةِ السلامِ عليهِم، وزيارتِهِم، قال اللهُ تعالى ((يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) ((البقرة: 215( وقالَ جلَّ وعلا: ( وَأُولُـو الْأَرْحَـامِ بَعْـضُـهُمْ أَوْلَى بِبَعْـضٍ فِي كِـتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُـلِّ شَـيْءٍ عَلِـيمٌ)- [الأنفال/75]. وقالَ النبيُّ المختارُ ﷺ ( الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ ))
ومِن صورِ حُسنِ العِشرةِ: الإحسانُ إلى الجارِ، بتفقُّدِ أحوالهِ، وحِفظِ سرِّهِ، وكفِّ الأذى عنه، وعدمِ انتِهاكِ حُرُماتهِ، وإكرامهِ، وتقديرِ أحاسيسِهِ ومشاعِرهِ، قال ﷺ -: ((ما زال جبريلُ يُوصِيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيُورِّثُه ))وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «واللهِ لا يؤمنُ، واللهِ لا يؤمنُ، واللهِ لا يؤمنُ»، قيل: ومَن يا رسولَ اللهِ؟ قال: «الذي لا يأمَنُ جارُه بوائِقَه)).
ومِن صورِ حُسنِ العِشرةِ: الإحسانُ إلى الضعفاءِ والمساكين بخدمتِهِم بالمالِ والوقتِ والمشاعِرِ، يُخفِّفُ عنهم مُصابَهم، يُسلِّيهم على الفَجيعة، يصونُ وجههَم عن السؤالِ، ويُغنيهم عن الاستِجداءِ، ويسُدُّ جوعتَهَم، قال رسولُ اللهِ ﷺ -:الساعِي على الأرملةِ والمِسكين كالمُجاهدِ في سبيلِ اللهِ، أوِ القائِمِ الليلَ، الصائمِ النهارَ))
ومِن صورِ حُسنِ العِشرةٍ: إكرامُ المُسنِّين وحُسنُ عِشرتِهِم؛ فعن أبي موسى الأشعري – رضي اللهُ عنه -، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ ((إنَّ مِن إجلالِ اللهِ: إكرامَ ذي الشَّيبةِ المُسلم((.ومِن إكرامِهِم: رعايتُهُم صحيًّا، ونفسيًّا، واجتماعيًّا، واقتصاديًّا، والإنصاتُ لهم، والتلطُّفُ معهم،
ومِن حُسنِ العِشرةِ: إنزالُ الناسِ منازلهُم، وإعطاؤهُم حقَّهُم مِن الاحتِرامِ والتقديرِ، وذِكرُ محاسنِهِم وميزاتِهِم، وكان ﷺ يعرِفُ فضلَ أُولِي الفضل، وقال: ليس مِن أمَّتِي مَن لم يُجِلَّ كبيرَنا، ويرحَم صغيرَنا، ويعرِفْ لعالِمِنَا حقَّه)).وحين دخلَ رسولُ اللهِ ﷺ مكَّةَ فاتِحًا، جاءَ أبو سُفيان وأسلَم، فأرادَ النبيُّ ﷺ تثبيتَ إسلامِهِ – وهو مِن ساداتِ قُريش، ومثلُه يُحبُّ الفخرَ -، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: ((مَن دخلَ دارَ أبي سُفيانَ فهو آمِنٌ)).
ومِن صورِ حُسنِ العِشرةِ: البُعدُ عن الخُصومةِ وتقديمُ الصُّلحِ على الجفاء، فقد رُويَ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ – رضي اللهُ عنه ((أحبِب حبيبَك هونًا ما عسى أنْ يكونَ بغيضَك يومًا ما، وأبغِضْ بغيضَك هونًا ما عسى أنْ يكونَ حبيبَك يومًا ما)) فبالخصامِ تكونُ مبغوضًا مِن قبلِ ربِّ الأرضِ والسماءِ فعن عائشةَ رضي اللهُ عنها قالت عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ)) أي شديد الخصومة رواه البخاري
ومِن صورِ حُسنِ العِشرة قضاءُ حوائِجِ الناسِ، ومُشاهَدةُ حسناتِهِم، وتركُ التقصيرِ معهُم، وزيارتُهُم، والسؤالُ عن أحوالِهِم، ومُواساتُهُم بالمالِ، والصبرُ على جفائِهِم، وإسقاطُ التُّهمةِ عنهُم، ومُصاحبَةُ كلِّ إنسانٍ على قدرِ طريقتهِ. وجبرُ خواطرهِم وعدمُ جرحِ مشاعرِهِم وصدقَ مَن قال :مَن سارَ بينَ الناسِ جابرًا للخواطرِ أدركَهُ اللهُ في جوفِ المخاطرِ، واعلمْ مَن جبرَ خواطرَ الناسِ جبرَ اللهُ خواطرَهُ، ومَن جرجَ الناسَ في مشاعرِهِم جرحَهُ اللهُ في مشاعرهِ، فالديانُ لا يموتُ، وللهِ درُّ القائل:
وأفضلُ الناسِ ما بينَ الورىَ رجلٌ ***تقضَى على يدهِ للناسِ حاجاتُ
لا تمنعنَّ يدَ المعروفِ عن أحدٍ*** ما دمتَ مقتدرًا فالعيشُ جناتُ
قد ماتَ قومٌ وما ماتتْ مكارمُهُم*** وعاشَ قومٌ وهُم في الناسِ أمواتُ أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكُم…………………..الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …… وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حسن العشرة وحفظها
ثالثـــًا وأخيرًا: إياكَ و سوءَ العشرةِ.
أيُّها السادةُ: سوءُ العشرةِ داءٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ، ووباءٌ خلقيٌّ كبيرٌ، ما فشَا في أمةٍ إلَّا كان نذيرًا لهلاكِهَا، وما دبَّ في أسرةٍ إلّا كان سببًا لفنائِهَا فهي مصدرٌ لكلِّ عداءٍ وينبوعٌ لكلِّ شرٍّ وتعاسةٍ، سوءُ العشرةِ خزيٌ وعارٌ وسببٌ مِن أسبابِ الهلاكِ والدمارِ في الدنيا والأخرةِ فعن عائشةَ – رضي اللهُ عنها -، أنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ علَى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: ائْذَنُوا له، فَلَبِئْسَ ابنُ العَشِيرَةِ، أَوْ بئْسَ رَجُلُ العَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ عليه أَلَانَ له القَوْلَ، قالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قُلْتَ له الذي قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ له القَوْلَ؟ قالَ: يا عَائِشَةُ إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ يَومَ القِيَامَةِ، مَن وَدَعَهُ، أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ(( رواه مسلم، والمفلسُ يوم القيامةِ مَن ياسادة؟ سيئُ العشرةِ كما في صحيحِ مسلمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)
وسوءُ العشرةِ سببٌ مِن أسبابِ اللعنِ مِن رحمةِ اللهِ، عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه أنَّ النبيَّ ﷺ قال :إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلى فِرَاشِهِ فأبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا المَلَائِكَةُ حتَّى تُصْبِحَ))صحيح البخاري.
فاللهَ اللهَ في حسنِ العشرةِ، والتعاملِ مع الناسِ بالحسنَى والتخلقِ بأخلاقِ سيدِ الرجالِ ﷺ
حفظَ اللهُ مصرَ قيادة وشعبا من كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف